الوحي يوجّه العقل
اختيارات: منار العدوية -
هذه العين مهما تكن حادة البصر ..
لا قيمة لها إطلاقًا من دون نور يتوسّط بين الإنسان والمرئيات من حوله
فلو جلس إنسان ضرير مع إنسان حادّ البصر في غرفة ليس فيها نور
فإنهما سيستويان !
فكما أن العين لا قيمة لها من دون ضوء ..
فالعقل لا قيمة له من دون وحي يرشده ..
الضوء للعين .. كالوحي للعقل ..
قبس من نور
يبصر من عليائه التائهين، يرى هضاب الضياع وقد التفت من حول أرواحهم، فيشعل لهم في الليل قبسا من نوره، فيرون به الطريق، ويصلون إلى الجادة !
لا يهديك لأنك فلان ابن فلان، بل لأنه شاء أن يهديك ! (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فتعرّض بإصلاحك قلبك إلى تلك المشيئة الغالية.
قد يهديك ثم لا تقوم بواجب تلك الهداية من شكر وعمل بمقتضاها، فيسلبها منك، مثل ذلك الرجل الذي آتاه الله آياته (فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ)!
وقد يهديك فتشكره وتعمل بمقتضى الهداية فيمنّ عليك بهداية أخرى فتشكره وتعمل بمقتضاها ثم يفضل عليك بهداية ثالثة ورابعة، ويجعل حياتك هدايات يمسك بعضها ببعض..
فهؤلاء فتية الكهف هداهم بأن جعلهم مؤمنين، ثم هداهم أيضًا بأن جعلهم صابرين على إيمانهم، ثم هداهم بأن دلّهم على طريق النجاة، ثم هداهم بأن هيأ لهم حالًا أنجاهم بها، بأن ضرب على آذانهم في الكهف سنين عددًا، قال عنهم سبحانه: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).
هل الصمت علاج ؟
هل يمكن اعتبار الصمت من أنواع العلاجات النفسية أو العلاجات الذاتية، يمكننا به معالجة نفوسنا التي لا تهدأ ؟ سؤال يحتاج إلى بعض التأمل والتدبر،
حياتنا المليئة بالحركة والمشاعر المختلفة من فرح وحزن وألم واكتئاب وغيرها من مشاعر تُشعرك كما لو أن المرء منا آلة ميكانيكية وكما أننا نتصرف مع تلك الآلة حين تسخن محركاتها بإطفائها أو إسكاتها، فكذلك الأمر نقوم به تلقائيا مع أنفسنا، فهل لاحظ أحدكم ذلك ؟
إن الاستمرار في الحديث والضحك وغيره من مشاعر متنوعة من شأنه التأثير على عمليات التفكير والتدبير، بالإضافة إلى تأثر أعضاء البدن الأخرى. بمعنى آخر، جسمك بحاجة إلى راحة واسترخاء؛ لأن الراحة والاسترخاء، متطلبات أساسية يومية لأي أحد منا، وهي متطلبات لا نهتم بها كثيرًا، ولولا نعمة الله علينا في مسألة النوم الإجباري وسلطانه القوي، لكان أغلبنا يستمر ويستمر على ما هو عليه دون أن يعير اهتمامًا مناسبًا لائقًا بجسده وروحه .
نحتاج إلى أن نريح أجسادنا وما بها من أجهزة مختلفة لا سيما القلب والعقل، فالتجارب الحياتية تفيد بأن الصمت لحين من الدهر ولو قصير، وطلب الهدوء من أجل ممارسة استرخاء تام للجسم، هو علاج فاعل وناجح. فالتوقف عن الكلام والصمت في مكان هادئ ولو لدقائق لا تتعدى النصف ساعة على سبيل المثال، من شأنه أن يعيد للجسم حيويته وللعقل نشاطه وتركيزه .
من هنا تبدو الحاجة قوية لأن نتعلم قبل الاسترخاء ضبط الألسن ولجمها لحين من الدهر ولو كان قصيرا، ولا ندعها تستمر في الكلام إلى ما لا نهاية.. وكلما قل كلامنا اختفت مشاكلنا وخفت الضغوطات علينا، وبالتالي نكون حينها مؤهلين لدخول عالم الاسترخاء الجميل.. ومن يُكثر الكلام لا يعرف بالضرورة ما هو الاسترخاء؛ لأنه لا يعرف للصمت معنى، وبالتالي لا يمكن أن يحدث توافق بين الاسترخاء وبين كثرة الكلام .. ولهذا تجده متعبا دائمًا، يُتعب نفسه ويتعب من حوله .